الأقسام الدوّارة لمجابهة الاكتظاظ في الدخول المدرسي المقبل
مديريات التربية تسابق الزمن لإنجاح عودة 11 مليون تلميذ
نظام الدوامين و”الأقسام الدوّارة” لمجابهة الاكتظاظ في الدخول المدرسي المقبل
مع بدء العد التنازلي لموعد الدخول المدرسي، تتسابق مديريات التربية للولايات مع الزمن، لاستكمال كافة الأعمال المتعلقة أساسا بتعبئة كل الموارد البشرية والوسائل المادية المتوفرة، من أجل ضمان جاهزية المؤسسات التعليمية واستقبال بذلك 11 مليون تلميذ في ظروف مريحة وآمنة وصحية، حيث تستعد المدارس لمواجهة “مشكل الاكتظاظ”، عن طريق تبني مجموعة حلول ظرفية، من أبرزها اعتماد “نظام الدوامين”، أو العمل بما يسمى “بالأقسام الدوّارة”، في انتظار استلام المنشآت التربوية الجديدة، والتي أكدت وزارة التربية الوطنية، بأن الأشغال بها تسير بوتيرة مقبولة، وأن العجز القائم سيتم امتصاصه تدريجيا خلال السنوات المقبلة.
كما أفادت مصادرنا، بأن أبرز الإشكاليات التي تتجدد سنويا مع كل دخول مدرسي، هي الاكتظاظ داخل الأقسام التربوية، رغم ما يعلن سنويا من مشاريع بناء مؤسسات تربوية جديدة وتوسيع الهياكل القائمة، إلا أن هذه الوضعية تتخذ في كل مرة أشكالا مختلفة، وتلقي بظلالها على العملية التعليمية والتربوية، الأمر الذي دفع بمصالح بمديريات التربية للولايات، من خلال رؤساء المؤسسات التربوية، إلى التفكير بجدية بحلول تكون عملية وفعالية لمواجهة الارتفاع في أعداد التلاميذ، حتى يتم تفادي “تعكير” صفو العودة إلى مقاعد الدراسة.
رهان على الهياكل الجديدة:
ومن جهتها، فإن السلطات المحلية، تراهن هي الأخرى على افتتاح عدد من المدارس الابتدائية والمتوسطات خلال الموسم الحالي، ليبقى التحدي قائما حول كيفية تسيير الدخول المدرسي الفوري دون التضحية بجودة التعليم.
وأمام هذا الوضع، لفتت مصادرنا، إلى أن مديريات التربية للولايات، قررت اللجوء إلى اعتماد ما يعرف “بنظام الدوامين”، بمرحلة التعليم الابتدائي، حيث يتقاسم فوجان اثنان القسم نفسه، أحدهما يدرس في الفترة الصباحية والآخر في المسائية، وهو ما يعد حلا مؤقتا، لكنه قد يتسبب في إثقال كاهل التلاميذ والأولياء معا، ويقلص من ساعات التعلم المقررة.
وأما في الطورين المتوسط والثانوي، أشارت ذات المصادر، إلى أنه من المرجح العمل بما يسمى “بالأقسام الدوّارة”، إذ يتنقل التلاميذ بين قاعات متعددة لغياب قاعات ثابتة، ما قد يخلق فوضى تنظيمية ويؤثر على التركيز والتحصيل الدراسي ككل.
ورغم أن هذه التدابير، تسهم في امتصاص ضغط الأعداد الكبيرة من المتعلمين، إلا أنها تطرح إشكالية الاستقرار النفسي للتلاميذ والمعلمين على حد سواء، توضح مصادرنا.
وفي السياق نفسه، أوضحت مصادرنا أنه من المتوقع أن يصل عدد التلاميذ ببعض الأقسام التربوية في الدخول المدرسي المقبل، إلى 45 تلميذا في الطور الابتدائي، بينما يتجاوز عدد 55 متعلما في الطورين المتوسط والثانوي، خاصة بالولايات ذات الكثافة السكانية العالية كالجزائر العاصمة، وهران، سطيف، قسنطينة والبليدة.
هذا الارتفاع في أعداد التلاميذ داخل الأقسام التربوية، قد يتسبب في إضعاف قدرة الأستاذ على التحكم في سير الدروس، ويحول دون تحقيق المردود البيداغوجي المطلوب، فضلا عن الأثر النفسي والاجتماعي الذي يخلفه على المتعلمين.
وفي الموضوع، يعتقد خبراء في علم التربية، أن الاكتظاظ ليس مجرد “ظرف طارئ” يمكن التعايش معه، بل هو عامل مباشر قد يتسبب في تراجع جودة التعليم، وعليه، فكلما ارتفع عدد التلاميذ داخل القسم التربوي، تضاءلت فرص المتعلم في المشاركة والتفاعل، وتراجع مستوى المتابعة الفردية من طرف الأستاذ.
كما أن الأنشطة البيداغوجية التفاعلية، التي تشجع على تنمية مهارات التفكير والنقاش والعمل الجماعي، تكاد تغيب في أقسام مكتظة أشبه بالقاعات الامتحانية الدائمة.
تجاوز الحلول الظرفية
ومن جهة ثانية، يرى مهتمون بالشأن التربوي، أن ظاهرة الاكتظاظ المدرسي، لا تتوقف عند حدود المدرسة، بل تمتد آثارها إلى المحيط الأسري، حيث يشتكي الأولياء من تراجع التحصيل العلمي لأبنائهم، ويضطرون لتعويض هذا النقص عبر الدروس الخصوصية، ما يزيد من الأعباء المالية.
وكذلك الأمر، بالنسبة للتلاميذ الذين يعيشون ضغطا نفسيا، بسبب ضيق الفضاء وصعوبة المتابعة، ما قد يؤدي إلى عزوف دراسي مبكر أو مشاكل سلوكية مرتبطة بالازدحام والتوتر اليومي.
ومن هذا المنطلق، يقترح مختصون أهمية تبني رؤية استراتيجية بعيدة المدى، لمعالجة الاكتظاظ، والتي يجب أن تتجاوز الحلول الظرفية، ومن بين التوصيات المطروحة، تسريع وتيرة إنجاز المؤسسات وربطها بمخططات التوسع العمراني، إلى جانب إعادة النظر في خريطة التوزيع المدرسي، بما يضمن توازنا بين الأحياء المكتظة وتلك الأقل كثافة.
فضلا عن توظيف أساتذة إضافيين وتوسيع المناصب المالية، لتقليص حجم الأفواج التربوية، علاوة على تشجيع الشراكة مع الجماعات المحلية لاستغلال فضاءات بديلة مثل المراكز الثقافية أو القاعات الجوارية في الأحياء الجديدة، ريثما تُستكمل مشاريع البناء.
واستخلاصا مما سبق، فإن الدخول المدرسي المقبل، سيكون امتحانا حقيقيا ليس فقط للتلاميذ وأوليائهم، بل لمنظومة تربوية بأكملها، تجد نفسها كل سنة ملزمة بتجاوز جميع المشاكل في هدوء تام دون فوضى.
وبالتالي، وإذا كان اللجوء إلى “الدوامين” و”الأقسام الدوارة”، حلّا اضطراريا لا مفر منه، فإن المطلوب اليوم هو إرادة حقيقية لوضع خريطة طريق عاجلة وواقعية تعيد للتلميذ حقه في قسم تربوي لائق، وللمدرس هيبته في أداء رسالته بعيدا عن ضغط الأعداد المرهقة.